خطبة الجمعة الخطبة الأولى الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أوصيكم عباد الله ونفسي المقصرة أولًا بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ (النساء: 131). أيها الإخوة المسلمون، من أمثال العرب الموروثة قصةٌ ذات عبرة عظيمة: قصة الثيران الثلاثة والأسد. كان ثورٌ أبيض وثورٌ أحمر وثورٌ أسود يعيشون معًا، آمنين ما داموا مجتمعين، فلم يجرؤ الأسد أن يقترب منهم. فلما فرّق بينهم بالوسوسة والخداع، تمكّن من الأول ثم الثاني ثم الثالث، حتى قال آخرهم قبل أن يُفترس: «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض». وهكذا عباد الله، لا يقوى العدو على أمة متماسكة، ولكنه إذا وجدها متفرقة، تمكّن منها واحدًا بعد واحد. وها نحن نرى في واقعنا اليوم ما يسمى بـ “أسد داوود”، أي إسرائيل، يبطش ويعتدي: حاصر غزة، وقصف لبنان، وضرب سوريا، واعتدى على اليمن وإيران في الأشهر الماضية، وكل ذلك والأمة ساكتة متفرقة. ولو أن كل بلدٍ قال: “ليس شأني”، فلن يبقى أحد في مأمن. قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم). فهل يجوز أن يشتكي عضو من جسد الأمة، وهو فلسطين وغزة، ونبقى نحن في صمتٍ وغفلة؟! إن الصمت خيانة، والفرقة هلاك، ولا نجاة لنا إلا بالوحدة والاعتصام بحبل الله جميعًا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه. أما بعد، عباد الله: قد صحّت الأحاديث عن رسول الله ﷺ بذكر المهدي في آخر الزمان، رجلٌ من أهل بيت النبي ﷺ، يبعثه الله عز وجل فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا، ويجمع الله به شمل الأمة. لكن اعلموا أن المهدي لن يكون بديلًا عن واجبنا اليوم. إنما هو كالمِلاط الذي يجمع اللبنات، وأما اللبنات فهي أنتم — شعوب الأمة الإسلامية من الشرق إلى الغرب. فإذا تفرّقت اللبنات وتبعثرت، فبمَ سيجمعها؟ أما إذا اصطفّت اللبنات وتماسكت، جاء المهدي فشدّها وقوّاها بإذن الله. فلا تقولوا: “حين يخرج المهدي سنتوحد”، بل توحدوا اليوم. لا تنتظروا المستقبل لتنهضوا، بل انهضوا الآن. انصروا غزة اليوم. دافعوا عن فلسطين اليوم. قفوا مع لبنان وسوريا واليمن وإيران، ومع كل أرض إسلامية تتعرض للعدوان. ويا مسلمي العالم شرقًا وغربًا، في آسيا وإفريقيا وأوروبا والأمريكيتين: واجبكم لا ينتهي بالدعاء أو التعاطف فقط. بل يجب أن تتحركوا سياسيًا، وأن تطالبوا حكوماتكم بمواقف عملية: إن لم يكن بالجيوش فبالدبلوماسية، وإن لم يكن بالقوة فبالمقاطعة والعقوبات والضغط السياسي والاقتصادي. فكل ذلك من وسائل نصرة المظلوم. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11). فالبدارَ البدارَ أيها المسلمون إلى التوبة، وإلى الإصلاح، وإلى الوحدة، حتى إذا جاء وعد الله كنّا من أهله المستحقين للنصر والتمكين. اللهم وحّد صفوف المسلمين، وألّف بين قلوبهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم انصر المستضعفين في غزة وفلسطين وسائر بلاد المسلمين. اللهم اربط على قلوبهم، وثبّت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم اجعل كيد الصهاينة في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم، يا قوي يا عزيز. هذا وصلّوا وسلّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.